يعد تغير المناخ والمتسبب في الاحتباس الحراري والتغيرات في أنماط الطقس والاضطرابات في توازن الطبيعة المعتاد، قضية ملحة تهدد النظم البيئية والاقتصادات والمجتمعات في جميع أنحاء العالم. المنطقة العربية، والمعروفة بتنوع خصائصها الجغرافية وظروفها المناخية، ليست بمعزل عن الآثار الكارثية لتغير المناخ والتي يمكن أن تؤدي في أبسط أشكالها إلى تفاقم نسب الفقر في مجتمعاتها وانعدام الأمن الغذائي. وذلك يظهر الحاجة إلى وجود نهج إقليمي شامل ليس فقط للتخفيف من آثار تغير المناخ، ولكن أيضاً لاغتنام الفرص المتاحة في ساحة الطاقة النظيفة والمتجددة لتحقيق مستهدفات التنمية المستدامة في دول المنطقة.
أثر تغير المناخ على الدول العربية
الآثار السلبية لتغير المناخ تظهر قاسية بشكل خاص في المنطقة العربية، حيث أدت الاتجاهات التصاعدية في درجات الحرارة إلى تفاقم التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية الحالية. فعلى سبيل المثال، تعاني الصناعة الزراعية – والتي تعتمد في الغالب على هطول الأمطار في معظم الدول العربية – من تغير الأنماط المطرية وزيادة حالات الجفاف وتدهور الأراضي والتصحر. كما وتواجه البلدان التي تعتمد بشدة على الزراعة نقصًا محتملاً في الغذاء، مع ارتفاع متوسط نسب الاستيراد لتصل إلى 50٪ أو أكثر من الإمدادات الغذائية.
في الوقت ذاته، تتصارع المناطق الساحلية مع مخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر. وتشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تضاؤلًا في إمدادات المياه، مما انعكس بآثار حادة على أنظمة إنتاج الغذاء المحلية. وبالتتالي، يمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى تصاعد حدة التوترات الاجتماعية والاقتصادية، وزيادة معدلات الفقر، وتباطؤ تقدم مشاريع التنمية.
التحديات في معالجة تغير المناخ
قد يكون تنفيذ استراتيجيات فعالة للتخفيف من آثار تغير المناخ مهمة شاقة، بسبب الحجم والوتيرة غير المسبوقة للتغيرات البيئية. وذلك يتطلب إعادة التفكير في الآليات التقليدية لصنع القرار في حل المشكلات وإجراء التغييرات اللازمة، وتعزيز القدرات المؤسسية لمكافحة التهديدات المتعلقة بالمناخ، وتأمين التمويل الكافي لبحوث تغير المناخ.
فرص واستراتيجيات التخفيف
على الرغم من هذه التحديات المتنوعة والمعقدة، إلا أن الدول العربية تتمتع بفرص هائلة للتكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ. ويمكن لتسخير مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، واعتماد تقنيات الحفاظ على المياه، وتوسيع المساحات الخضراء أن يقلل من التأثير البيئي ودعم التنمية المستدامة.
كما تقدم التقنيات الناشئة لتحسين المناخ حلول واعدة للتحديات المناخية. فيمكن أن يؤدي دمج هذه التقنيات في الأنظمة الحالية إلى تسريع انتقال المنطقة نحو مستقبل مستدام منخفض الكربون. فيمكن للزراعة الذكية على سبيل المثال، والتي تدمج التكنولوجيا الحديثة في الممارسات الزراعية، أن تحدث ثورة في إنتاج الغذاء، مما يجعلها أكثر مقاومة للتغيرات المناخية. كما يمكن للأدوات الرقمية الأخرى مثل أنظمة الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة المتصلة بالإنترنت تعزيز مرونة المنطقة في مواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ، ويمكن لنماذج المدن الذكية الحفاظ على الموارد وتوفير أنظمة وحلول بيئية أكثر استدامة.
إجمالاً، يمكن أن يؤدي استخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات الحديثة إلى تعزيز الحفاظ على الطاقة وتقليل الانبعاثات الصناعية والمساهمة في التخفيف من تغير المناخ.
تشجيع الابتكار والتعاون
من الحتميات التي أصبحت لا تقبل الجدل، هو أن تغير المناخ أصبح يشكل تهديدات كبيرة للدول العربية، لكنه وفي الوقت نفسه يوفر فرصاً لإيجاد حلول مبتكرة ومستدامة. ومن خلال معالجة تغير المناخ بشكل استباقي، يمكن للدول العربية تأمين مستقبل مرن ومستدام. ولذلك يجب على صانعي السياسات إعطاء الأولوية للعمل المناخي، والاستثمار في البحث والتطوير، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لخلق منطقة عربية أكثر اخضراراً واستدامة.
للاستفادة الحقيقية من التكنولوجيا في العمل المناخي، يجب على الدول العربية تعزيز بيئة وطنية مشجعة على الابتكار والتعاون. فالمبادرات مثل العمارة الخضراء والتحول الرقمي والبحث والتطوير في تقنيات الطاقة المتجددة تعد جميعها محاور بالغة الأهمية. وهي تؤكد مطلباً محورياً هنا وهو ضرورة وجود أرضية تحفز التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمؤسسات المالية، للتغلب على التحديات وتنسيق الموارد والخبرات والقدرات نحو هدف مشترك.
فدور الحكومات يكمن في توفير التوجيه السياساتي والأطر التنظيمية والتمويل العام، بينما يمكن للقطاع الخاص دفع الابتكار وتنفيذ نماذج الأعمال الصديقة للمناخ والاستثمار في التقنيات المستدامة. ويلعب المجتمع المدني دوراً رئيسياً في رفع الوعي العام والتحشيد وتفعيل أدوار الجهات المختلفة. أما المؤسسات المالية فدورها يكمن في توجيه استثماراتها نحو المشاريع التنموية منخفضة الكربون والمرتبطة بالتكيف مع تغير المناخ. يمكن لهذه الكيانات معاً تعزيز استجابة قوية ومتكاملة لتغير المناخ وإيجاد توازن بين متطلبات الاستدامة البيئية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.