اعلان اعلي سليدر
اعلان هيرميس

الدكتور علي الدكروري يكتب: الاستثمار الآمن… بين الأخلاق والمكسب

عندما ننظر إلى خريطة الاقتصاد العالمي اليوم، نجد أن الأسواق أصبحت أكثر تعقيدًا وتشابكًا من أي وقت مضى. وفي وسط هذا التشابك تظهر حقيقة لا يمكن تجاهلها: الاستثمار الآمن لم يعد يعتمد على رأس المال فقط، بل على الأخلاق التي توجهه، والشفافية التي تحميه، والمسؤولية التي تمنحه شرعية الاستمرار.

أنا لا أفصل بين الاقتصاد والقيم، ولا أرى في الربح غاية منفصلة عن الطريقة التي يتحقق بها. لأن بناء اقتصاد قوي يبدأ من بناء سلوك استثماري سليم، يرتكز على مبادئ واضحة لا تتغير بتغير الظروف.

 

مفهوم الربح النظيف… قيمة تتجاوز الأرقام

حين أتحدث عن “الربح النظيف”، لا أتحدث عن مجرد صفقات ناجحة، بل عن ثقافة اقتصادية كاملة تحترم المجتمع وتحمي السوق وتضمن منافسة عادلة.
الربح النظيف هو ذلك العائد الذي لا يحمل خلفه شبهة استغلال، ولا يترك أثرًا سلبيًا على البيئة أو على العمال أو على المستهلكين.

وهذا المفهوم لم يعد مجرد شعار أخلاقي، بل أصبح عنصرًا مؤثرًا في تقييم الشركات عالميًا.
اليوم، المستثمر الذكي لا ينظر فقط إلى العائد المالي، بل إلى:

مصدر هذا العائد

جودة السياسات المالية والإدارية

الالتزام بالقانون

تقييمات الحوكمة

أثر النشاط على المجتمع والبيئة

وقد رأينا أن الأسواق التي تعتمد على الربح السريع أو “الصفقات الرمادية” تنهار عند أول اختبار حقيقي؛ لأنها لم تُبن على أساس متين.

 

الشفافية والمسؤولية المجتمعية… أعمدة الاقتصاد الحديث

الاقتصاد العالمي الآن أصبح أكثر حساسية تجاه المعلومات، وأكثر ارتباطًا بالبيانات الدقيقة.
الشفافية لم تعد خيارًا إداريًا، بل معيارًا للبقاء.

عندما تكون شفافًا، فأنت:

تقلل من مخاطر الاستثمار

تكسب ثقة شركائك

ترفع من قدرة مؤسستك على جذب تمويل دولي

تحسن تقييمك في مؤشرات الحوكمة

أما المسؤولية المجتمعية، فقد تحولت من نشاط “تكميلي” إلى عنصر أساسي في تخطيط أي مشروع.
المجتمع اليوم لم يعد يقبل مؤسسات تستنزف موارده لتحقيق أرباح قصيرة المدى.
المستثمر القوي هو الذي يصنع توازنًا بين نجاحه وبين احتياجات المجتمع الذي يعمل داخله.

في تجارب دول كثيرة، الشركات التي تبنّت المسؤولية المجتمعية عززت صورتها، وارتفعت قيمتها السوقية، وأصبحت أكثر استقرارًا في مواجهة الأزمات.

 

كيف يوازن المستثمر بين المال والمبدأ؟

التوازن بين الأخلاق والربح هو معادلة أصعب مما تبدو عليه.
لكنها معادلة يمكن تحقيقها إذا فهم المستثمر أن المبدأ ليس عائقًا، بل ضمانة.

أنا دائمًا أنصح كل مستثمر — شاب أو خبير — أن يراجع ثلاثة أسئلة رئيسية قبل أي خطوة استثمارية:

1 — ما طبيعة الربح؟

هل هو عائد مبني على نشاط إنتاجي حقيقي؟
أم عائد سريع ناتج عن مخاطرات غير محسوبة؟

2 — هل يضيف هذا الاستثمار قيمة للسوق؟

اقتصاد بلا قيمة مضافة سرعان ما يتآكل من الداخل.

3 — ما أثر هذا الاستثمار على المجتمع؟

هل يوفر فرص عمل؟
هل يحقق استقرارًا؟
هل يلتزم بالقانون والبيئة؟

وعندما يلتزم المستثمر بهذا التوازن، فهو لا يحمي نفسه فقط، بل يدعم ثقة المجتمع في الاقتصاد، ويخلق بيئة استثمارية صحية تجذب رؤوس الأموال طويلة المدى.

المال بلا مبادئ قد يحقق أرباحًا سريعة، لكنه لا يصنع اقتصادًا، ولا يبني سمعة، ولا يضمن استدامة.

 

الإعلام… البوابة التي تصنع الوعي الاقتصادي

في عالم يتم تشكيل الرأي العام فيه عبر المعلومات، يلعب الإعلام دورًا لا يقل خطورة عن دور المؤسسة المالية نفسها.
الإعلام القائم على المعلومة يساهم في بناء ثقافة اقتصادية تنبه المستثمرين للمخاطر، وترشدهم إلى الفرص، وتحارب التضليل.

أنا أرى أن الإعلام، حين يلتزم بالموضوعية، يصبح:

مرصدًا يكشف التجاوزات

منصة تُعرّف المواطن بالاقتصاد الحقيقي غير المزيّف

شريكًا في نشر مفهوم الربح النظيف

قوة رقابية توازن السوق

على الجانب الآخر، عندما يتحول الإعلام إلى منصة لترويج المضاربات أو “حيل الربح السريع”، فإنه يُسهم في خلق فقاعة اقتصادية تضر بالمجتمع بأكمله.

ولهذا أدعو دائمًا إلى إعلام اقتصادي واعٍ، صادق، ومتخصص، يشرح للناس بلغة بسيطة أين تكمن فرص الاستثمار، وأين تكمن مخاطره، وكيف يمكن تحقيق الربح دون انحراف.

 

مصر قادرة على أن تصبح نموذجًا للاستثمار الأخلاقي في المنطقة؟

حقيقة مصر تمتلك قاعدة قوية بالفعل — تشريعات حديثة، رقابة مالية متطورة، وتوجهًا حكوميًا واضحًا نحو الشفافية والتحول الرقمي و أن تعزيز ثقافة الاقتصاد النظيف سيضع مصر في موقع متقدم بين الأسواق الناشئة، ويجذب استثمارات ذات جودة عالية، ويدعم مكانتها الإقليمية في السنوات القادمة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار